دينا محمود (لندن)

أكدت صحيفة «دَيلي كولر» الأميركية أن قطر ليست سوى «بيت من ورق» قابل للانهيار في أي وقت، في ظل التناقضات الحادة والصارخة القائمة فيها، على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وحتى على مستوى التركيبة السكانية التي تتألف في غالبيتها العظمى من العمالة الأجنبية.
وحذرت الصحيفة -في تحقيق استقصائي مطول حول الوضع في الدويلة المعزولة- من أن هذا البلد يشهد «تمرداً» من جانب العمال المهاجرين الموجودين فيه، ممن تصل نسبتهم إلى قرابة 95% من إجمالي المقيمين على الأراضي القطرية، بفعل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تُمارس بحق مئات الآلاف من المغتربين الآسيويين، بما يصل إلى حد إجبارهم على العمل القسري، وهو ما يرقى إلى مستوى «العبودية الحديثة». وقالت «دَيلي كولر» -في تحقيقها الذي أعده الصحفي المتخصص في الموضوعات الاستقصائية لوك روسياك- إن قطر ونظامها الحاكم ومواطنيها «مهووسون بالصورة البراقة» وليس المضمون والجوهر.
وكشفت الصحيفة الأميركية -ذات توجهات يمين الوسط- عن أن عدداً كبيراً من الغربيين العاملين في قطر «أصبحوا أسرى هناك»، بذرائع شتى دون أن يكون بوسع حكومات دولهم مد يد العون لهم.
ومن بين من عانوا من هذا «الاحتجاز» لمدة وصلت إلى نحو 15 سنة، محامية أميركية من نيويورك تُدعى سونيا شيخون، توجهت إلى قطر للعمل في قناة «الجزيرة» الموصومة بالتضليل ونشر الأكاذيب، واستضافة قيادات التنظيمات الإرهابية على شاشتها.
وقالت «دَيلي كولر» إن شيخون وجدت نفسها بعد ذلك «عالقة في هذه الدولة الصغيرة الغنية بالنفط، مثلها مثل عدد لا حصر له من الغربيين الممنوعين من مغادرة هذا البلد، وذلك لأسباب من بينها أن عليهم ديوناً، أو لكونهم منخرطين في نزاع قضائي، أو لأنهم اختلفوا مع موظف حكومي (قطري)، أو حتى أغضبوا شخصية قطرية ذات نفوذ».
وقالت إنها فوجئت بأن حياتها في قطر تشكل «مزيجاً بين (التعامل) مع مليارديرات النفط والعمال المُجبرين على العمل بالسخرة» وغيرهم من الفئات المتنافرة والمختلفة عن بعضها بعضاً.
وأكدت شيخون أن محنتها في الدويلة المعزولة بدأت حتى قبل أن تبدأ العمل في «الجزيرة» التي قالت إنها «خاضعة لسيطرة الأسرة الحاكمة في الدوحة». فبحسب ما روته لـ«دَيلي كولر»، طلبت منها الشبكة المملوكة للحكومة القطرية الاستقالة من عملها السابق بعدما قدمت لها عرض العمل معها، «لكن إتمام التعاقد تأخر على نحو غير متوقع، ما أرغمها على الاستدانة من مصرف قطري لسداد قروض كانت مستحقة عليها من قبل». وظلت المحامية الأميركية الأربعينية تعاني لسنوات من أجل سداد هذا الدين، خاصة بعدما تم التنكيل بها من جانب مسؤولي «الجزيرة»، عقاباً لها على أنها كشفت ممارسات «الاحتيال والتلاعب وسوء الإدارة» السائدة في الشبكة التلفزيونية القطرية.
وكشفت شيخون عن أن الانتقام الذي تعرضت له في هذا الصدد شمل «اختراق حساب البريد الإلكتروني الخاص بها، بجانب قول مديرها لها مازحاً إنه قد يتم اغتيالها، قبل أن يتم فصلها في نهاية المطاف».
بعد ذلك تعرضت هذه السيدة لاحتيال من جانب مغتربين آخرين يقيمون في قطر، قبل أن تنجح في الحصول على وظيفة لدى شركة «الخطوط الجوية القطرية» الحكومية بدورها، والتي يتعرض العاملون فيها لمعاملة لا إنسانية من جانب إدارتها.
وأشارت إلى أن الفساد وتزوير مسوغات العمل منتشر في الشركة، وهو ما دعاها للتفكير في ترك عملها، خاصة بعدما عَلِمَتْ بأن أصدقاء لإحدى معارفها قد قتلوا، ما أكد لها «أن الخطر موجود في كل مكان» في قطر. وانتهزت شيخون فرصة الحصول على توصية من طبيب تفيد بضرورة تلقيها العلاج في نيويورك، لتغادر قطر بلا عودة.
وفي تصريحاتها لـ«دَيلي كولر»، نددت المحامية الأميركية بما يتعرض له العمال الآسيويون المهاجرون في قطر، «ممن يزيد عددهم على مليونيْ عامل، أي بواقع سبعة أضعاف القطريين» قائلة إن «العمال النيباليين مثلاً يلقون حتفهم بواقع عامل واحد يومياً، وذلك خلال مشاركتهم في تشييد المرافق اللازمة لاستضافة النسخة المقبلة من بطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة عام 2022، والتي حصلت الدوحة عليها بفعل دفعها رِشى» لمسؤولي الاتحاد الدولي (الفيفا). وأشارت إلى أن إصرار النظام القطري على تنظيم هذه البطولة، يرجع لمحاولاته المستميتة «لتعزيز مكانته على الساحة الدولية». وقالت إنه سعى لحل مشكلة «عدم وجود أي بنية تحتية لديه لاستضافة المونديال، من خلال إلقاء مسؤولية ذلك على كاهل ملايين من العمال النيباليين والهنود.. الذين يعملون 18 ساعة يومياً مقابل ستة دولارات لا أكثر» تحت الشمس المُحرقة.
وقالت شيخون إنها رأت في المحاكم القطرية الكثير من هؤلاء العمال «ممن يُحرمون من الاتصال بنشطاء حقوقيين أو حتى مترجمين يجيدون لغاتهم المحلية»، وهو ما يؤدي لضياع حقوقهم. وشددت على أن إعلان «نظام الحمدين» عام 2014 اعتزامه إلغاء «نظام الكفالة»، كان نابعاً من «خشيته من أن يُجرد من حق تنظيم المونديال». ولكن رغم ذلك، لا تزال هناك قيود مفروضة على تنقل وسفر الكثير من العمال المهاجرين الموجودين في قطر حتى الآن. وفي ختام تصريحاتها، قالت المحامية الأميركية إن كل ذلك يؤكد أن قطر دولة شديدة الهشاشة «تدرك جيداً أن انتهاك حقوق العمال الأجانب على نطاق واسع.. ينطوي على إمكانية أن ينتهي الأمر باندلاع تمرد» في البلاد، من جانب أبناء هذه الفئة الذين يفوق عددهم عدد القطريين بنسبة هائلة.